الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ كَضَمِنْتُ دَيْنَك عَلَيْهِ أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ، أَوْ أَنَا بِالْمَالِ أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي بَيَانِ الصِّيغَةِ، وَهِيَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ لِلضَّمَانِ الشَّامِلِ لِلْكَفَالَةِ مُعَبِّرًا عَنْ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ فَقَالَ: (يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ) لِلْمَالِ (وَالْكَفَالَةِ) لِلْبَدَنِ صِيغَةٌ لِتَدُلَّ عَلَى الرِّضَا، وَهِيَ (لَفْظٌ) صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ (يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَةُ وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٌ (كَضَمِنْتُ) لَك (دَيْنَك عَلَيْهِ) أَيْ فُلَانٍ (أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته) أَوْ الْتَزَمْته (أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ أَوْ أَنَا بِالْمَالِ) الَّذِي عَلَى زَيْدٍ (أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ) أَوْ قَبِيلٌ أَوْ عَلَيَّ مَا عَلَى فُلَانٍ لِثُبُوتِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ مَعَ اشْتِهَارِ لَفْظِ الْكَفَالَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرَائِحُ، وَمِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ خَلِّ عَنْ فُلَانٍ، وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ عِنْدِي، أَوْ دَيْنُ فُلَانٍ إلَيَّ، وَلَوْ تَكَفَّلَ فَأَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ، ثُمَّ وَجَدَهُ مُلَازِمًا لِلْخَصْمِ، فَقَالَ: خَلِّهِ وَأَنَا عَلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَالَةِ صَارَ كَفِيلًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُبْتَدِئٌ بِالْكَفَالَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ مُخْبِرٌ بِهِ عَنْ كَفَالَةٍ وَاقِعَةٍ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَهُ بَعْدَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ: أَقْرَرْتُك عَلَى الْكِتَابَةِ لَمْ تَعُدْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ غَرَرٍ وَغَبْنٍ، فَيَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ قَالَ: تَكَفَّلْت بِجِسْمِهِ أَوْ رُوحِهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ أَوْ مَا لَا يَبْقَ الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَالرَّأْسِ وَالرُّوحِ وَالدِّمَاغِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ، وَلَيْسَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ تَصْرِيحٌ بِتَصْحِيحٍ أَمَّا مَا يَبْقَى الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَلَا يَكْفِي، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ عَنْ قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ كَالطَّلَاقِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْجُزْءِ، وَمَا لَا كَالْبَيْعِ فَلَا وَالْكَفَالَةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا كَمَا سَيَأْتِي وَيَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى الْجُزْءِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِشَرْطٍ وَلَا تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ لَفْظَةَ لَكَ بَعْدَ ضَمِنْت كَمَا قَدَّرْتهَا فِي كَلَامِهِ، فَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذِكْرَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الظَّاهِرُ (وَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ) بِالِالْتِزَامِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إلَّا إنْ صَحِبَتْهُ قَرِينَةُ الِالْتِزَامِ فَيَلْزَمُ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ (بِشَرْطٍ) كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ ضَمِنْت مَا عَلَى فُلَانٍ أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ فَلَا يَقْبَلَانِ التَّعْلِيقَ كَالْبَيْعِ وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا، فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا كَالطَّلَاقِ، وَالثَّالِثُ: يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ دُونَ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَاجَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ (لَا) يَجُوزُ (تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ) كَأَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ إلَى شَهْرٍ وَبَعْدَهُ أَنَا بَرِيءٌ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَسْلِيمِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأَدَاءُ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَأْقِيتُ الضَّمَانِ قَطْعًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.
المتن: وَلَوْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ شَهْرًا جَازَ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا.
الشَّرْحُ: وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الضَّمَانِ لِلضَّامِنِ وَلَا فِي الْكَفَالَةِ لِلْكَفِيلِ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ فِيهِمَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْغَرَرِ. أَمَّا شَرْطُهُ لِلْمُسْتَحِقِّ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالطَّلَبِ إلَيْهِ أَبَدًا، وَشَرْطُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ كَشَرْطِهِ لِلضَّامِنِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ بِشَرْطِ خِيَارٍ مُفْسِدٍ أَوْ قَالَ الضَّامِنُ أَوْ الْكَفِيلُ: لَا حَقَّ عَلَى مَنْ ضَمِنْت أَوْ تَكَفَّلْت بِهِ أَوْ قَالَ الْكَفِيلُ: بَرِئَ الْمَكْفُولُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَا وَبَرِئَا دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَالْمَكْفُولِ بِهِ، وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ بِشَرْطِ إعْطَاءِ مَالٍ لَا يُحْسَبُ مِنْ الدَّيْنِ، وَتَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِقَوْلِهِ كَفَلْت زَيْدًا أَنَّ لِي عَلَيْكَ كَذَا، وَبِقَوْلِهِ: تَكَفَّلْت بِزَيْدٍ فَإِنْ أَحْضَرْتَهُ وَإِلَّا فَبِعَمْرٍو، وَبِقَوْلِهِ: أُبَرِّئُ الْكَفِيلَ وَأَنَا كَفِيلُ الْمَكْفُولِ (وَلَوْ نَجَّزَهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ (وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ) بِمَعْلُومٍ كَأَنْ جَعَلَهُ (شَهْرًا جَازَ)؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ مُؤَجَّلًا كَالْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ نَجَّزَهَا عَنْ تَأْجِيلِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَمَنْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ جَوَازُ تَأْجِيلِهَا فَهُوَ مُتَجَوِّزٌ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ شَرَطُ تَأْخِيرِ الْإِحْضَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبِقَوْلِهِ شَهْرًا عَنْ التَّأْجِيلِ بِمَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَكَمَا سَبَقَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي شَرَطَ التَّسْلِيمَ فِيهِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا)؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ فَصُحِّحَ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ، وَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ إلَّا كَمَا الْتَزَمَ، وَلَا نَقُولُ الْتَحَقَ الْأَجَلُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يُؤَجَّلُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ: الْأُولَى إذَا أَوْصَى أَنْ لَا يُطَالَبَ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَيُعْمَلُ بِهَا. الثَّانِيَةُ: إذَا نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَصْحِيحُهُ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَالْأَصَحُّ مَا فِي بَقِيَّةِ النُّسَخِ وَالْمِنْهَاجِ. ا هـ. وَلَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ فَكَضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا.
المتن: وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: شَمَلَ قَوْلُهُ: ضَمَانُ الْحَالِّ مَنْ تَكَفَّلَ كَفَالَةً شَرَطَ فِيهَا تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ بِبَدَنِ مَنْ تَكَفَّلَ بِغَيْرِهِ كَفَالَةً لَمْ يَشْرُطْ فِيهَا ذَلِكَ وَلِهَذَا كَانَتْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ ضَمَانُ الْمَالِ الْحَالِّ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ التَّعْجِيلِ فَصَحَّ كَأَصْلِ الضَّمَانِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِمَا مَرَّ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ) كَمَا لَوْ الْتَزَمَهُ الْأَصِيلُ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ لَزِمَ فَلَزِمَتْهُ الصِّفَةُ كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا لِقَضَاءِ حَقِّ الْمُشَابَهَةِ؟ وَجْهَانِ: وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ مَاتَ الْأَصِيلُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ فِي حَقِّهِ تَابِعًا حَلَّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَضْمُونُ لَهُ، وَالرَّاجِحُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ. فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ تَصْحِيحُ ضَمَانِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا وَعَكْسُهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ مَا لَوْ رَهَنَ عَلَى الدَّيْنِ الْحَالِّ، وَشَرَطَ فِي الرَّهْنِ أَجَلًا، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ كِلَاهُمَا وَثِيقَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْمَرْهُونِ إذَا كَانَ يَنْفَعُ الرَّاهِنَ وَيَضُرُّ بِالْمُرْتَهِنِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ لِلرَّاهِنِ إمَّا بِحَبْسِ الْمَرْهُونِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ وَإِمَّا بِبَيْعِهِ فِي الْحَالِ قَبْلَ حُلُولِهِ.
المتن: وَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ.
الشَّرْحُ: (وَلِلْمُسْتَحِقِّ) أَيْ الْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ وَارِثِهِ (مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ) بِالدَّيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا أَوْ يُطَالَبُ أَحَدُهُمَا بِبَعْضِهِ وَالْآخَرُ بِبَاقِيهِ. أَمَّا الضَّامِنُ فَلِحَدِيثِ {الزَّعِيمُ غَارِمٌ}. وَأَمَّا الْأَصِيلُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ مُطَالَبَتِهِمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مِائَةٌ أَنَّهُ يُطَالِبُ بِمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِمِائَةٍ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ لَيْسَ فِي الْمُطَالَبَةِ، إنَّمَا الْمَمْنُوعُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَخْذُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ أَحَدِهِمَا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الضَّامِنِ، هُوَ الَّذِي عَلَى الْأَصِيلِ لَا غَيْرِهِ وَالذِّمَّتَانِ مَشْغُولَتَانِ بِهِ كَالرَّهْنَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ أَفْلَسَ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ، فَقَالَ الضَّامِنُ لِلْحَاكِمِ بِعْ أَوَّلًا مَالَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ: أُرِيدُ أَبِيعُ مَالَ أَيِّكُمَا شِئْت قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ الضَّمَانُ بِالْإِذْنِ أُجِيبَ الضَّامِنُ وَإِلَّا فَالْمَضْمُونُ لَهُ، وَإِذَا رَهَنَ رَهْنًا، وَأَقَامَ ضَامِنًا خُيِّرَ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ بَيْعِ الرَّهْنِ وَمُطَالَبَةِ الضَّامِنِ عَلَى الصَّحِيحِ.
المتن: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَجُلَانِ لِآخَرَ ضَمَنَّا مَا لَك عَلَى زَيْدٍ، وَهُوَ أَلْفٌ مَثَلًا أَنَّهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا لَوْ قَالَا: رَهَنَّا عَبْدَنَا هَذَا بِالْأَلْفِ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا بِالنِّصْفِ فَقَطْ، وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ كَمَا لَوْ قَالَا: اشْتَرَيْنَا عَبْدَك بِأَلْفٍ، وَصَوَّبَ الْأَوَّلَ السُّبْكِيُّ وَقَالَ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَوْثِقَةٌ كَالرَّهْنِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيُخَالِفُ الشِّرَاءَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ الْمِلْكِ فَبِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمِلْكِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْقَلْبُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَشُغْلُ ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّائِدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. ا هـ. وَاخْتَلَفَ أَيْضًا عُلَمَاءُ عَصْرِنَا فِي الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُسْتَحِقِّ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ، وَالرَّوْضَةِ بِالْمَضْمُونِ لَهُ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْوَارِثَ كَمَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُحْتَالُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ بَرِئْت بِالْحَوَالَةِ، وَلَوْ ضَمَّنَ الضَّامِنُ آخَرَ وَالْآخَرُ آخَرَ، وَهَكَذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) الضَّمَانُ (بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ لِمُقْتَضَى الضَّمَانِ، وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ ضَامِنٍ قَبْلَهُ أَوْ كَفَلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ كَافِلٍ قَبْلَهُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ الضَّمَانُ وَالشَّرْطُ لِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لِلْمَيِّتِ قَالَ " فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ {هُمَا عَلَيْك وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ فَقَالَ: نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ}. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: بَرِيءٌ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ الضَّمَانُ فَقَطْ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا.
المتن: وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ بَرِئَ الضَّامِنُ، وَلَا عَكْسَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَبْرَأَ) الْمُسْتَحِقُّ (الْأَصِيلَ) مِنْ الدَّيْنِ (بَرِيءَ الضَّامِنُ) مِنْهُ لِسُقُوطِهِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ وَثِيقَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهَا الدَّيْنُ كَفَكِّ الرَّهْنِ. نَعَمْ يَبْرَأُ مَعَهُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُلْتَزِمِينَ؛ لِأَنَّهُ فَرَّعَهُ فَيَبْرَأُ بِبَرَاءَتِهِ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ.
تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ أَدَاءُ الدَّيْنِ وَالِاعْتِيَاضُ وَالْحَوَالَةُ بِهِ وَعَلَيْهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُلَقِّنِ: لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بَرِيءٌ كَانَ أَشْمَلَ: لَمْ يَصِحَّ فِي قَوْلِهِ، وَلَا عَكْسَ فَإِنَّهُ لَوْ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالْأَدَاءِ بَرِئَ الْأَصِيلُ، فَالْإِبْرَاءُ فِي الثَّانِيَةِ مُتَعَيَّنٌ.
المتن: وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا حَلَّ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ (حَلَّ عَلَيْهِ) لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ اُسْتُرِقَّ (دُونَ الْآخَرِ) فَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْأَجَلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْأَصِيلَ فَلِلضَّامِنِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَحِقَّ بِأَخْذِ الدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ إبْرَائِهِ هُوَ، لِأَنَّ التَّرِكَةَ قَدْ تَهْلِكُ فَلَا يَجِدُ مُرَجِّعًا إذَا غَرِمَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الضَّامِنُ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ الْآذِنِ فِي الضَّمَانِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا كَانَ الضَّمَانُ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً كَمَا لَوْ أَعَارَهُ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَمَاتَ الْمُعِيرُ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ: وَإِنَّمَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ، وَهَذَا فِي عَيْنٍ فَزَالَ الْمَحْذُورُ.
المتن: وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ) بِالدَّيْنِ (فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ) لِلدَّيْنِ الْمَضْمُونِ لَهُ لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ. هَذَا (إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ)؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ كَمَا أَنَّهُ يَغْرَمُهُ إذَا غَرِمَ، وَمَعْنَى التَّخْلِيصِ: أَنَّهُ يُؤَدِّي دَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ. أَمَّا إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَوْ كَانَ الْأَصِيلُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ فَلِلضَّامِنِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إنْ طُولِبَ طَلَبَ الْوَلِيُّ بِتَخْلِيصِهِ مَا لَمْ يَزُلْ الْحَجْرُ، فَإِنْ زَالَ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَيُقَاسُ بِالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الضَّامِنُ بِإِذْنِهِمَا قَبْلَ الْجُنُونِ وَالْحَجْرِ أَمْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ: أَنَّ الضَّامِنَ إذَا حُبِسَ لَا يُحْبَسُ الْأَصِيلُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ شَيْءٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَا مُلَازَمَتُهُ، وَصَحَّحَ السُّبْكِيُّ جَوَازَ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ لَا يُعْطِي شَيْئًا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى لِتَجْوِيزِ الْمُطَالَبَةِ فَائِدَةٌ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ) بِتَخْلِيصِهِ (قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ) هُوَ بِالدَّيْنِ كَمَا لَا يَغْرَمُهُ قَبْلَ أَنْ يَغْرَمَ. وَالثَّانِي يُطَالَبُ بِتَخْلِيصِهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَيْنًا لِلرَّهْنِ وَرَهَنَهَا فَإِنَّ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَتَهُ بِفَكِّهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الضَّامِنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ: أَنْ يَقُولَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ إمَّا أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْحَقِّ وَإِمَّا أَنْ تُطَالِبَنِي بِهِ؛ لِأُطَالِبَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ، إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ قَطْعًا، وَلَا يُطَالِبُ الضَّامِنُ بِالْإِذْنِ الْأَصِيلَ بِالْمَالِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَصِيلُ الْمَالَ بِلَا مُطَالَبَةٍ، وَقُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَيَضْمَنُهُ إنْ تَلَفَ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: اقْضِ بِهِ مَا ضَمِنْت عَنِّي فَهُوَ وَكِيلٌ، وَالْمَالُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنُ الْأَصِيلَ أَوْ صَالَحَ عَمَّا سَيَغْرَمُ فِي مَالِهِ أَوْ رَهَنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا بِمَا ضَمِنَهُ أَوْ أَقَامَ بِهِ كَفِيلًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ لَا يَثْبُت لَهُ حَقٌّ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، وَلَوْ شَرَطَ الضَّامِنُ فِي ابْتِدَاءِ الضَّمَانِ أَنْ يُرْهِنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا أَوْ يُقِيمَ لَهُ بِهِ ضَامِنًا فَسَدَ الضَّمَانُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ.
المتن: وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ وُجِدَ إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ، وَإِنْ انْتَفَى فِيهِمَا فَلَا، وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ
الشَّرْحُ: (وَلِلضَّامِنِ) الْغَارِمِ (الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ وُجِدَ إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ)؛ لِأَنَّهُ صَرْفُ مَالِهِ إلَى مَنْفَعَةِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ، هَذَا إنْ أَدَّى مِنْ مَالِهِ. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، فَأَدَّى بِهِ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي (وَإِنْ انْتَفَى) إذْنُهُ (فِيهِمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ (فَلَا) رُجُوعَ لِتَبَرُّعِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَيِّتِ بِضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ (وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ) وَسَكَتَ عَنْ الْأَدَاءِ (رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبِ الْأَدَاءِ. وَالثَّانِي: لَا يَرْجِعُ لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الرُّجُوعُ مَا إذَا ثَبَتَ الضَّمَانُ بِالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ كَأَنْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ وَغَائِبٍ أَلْفًا وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَمِنَ مَا عَلَى الْآخَرِ بِإِذْنِهِ فَأَنْكَرَ زَيْدٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَغَرَّمَهُ لَمْ يَرْجِعْ زَيْدٌ عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّصْفِ لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ فَهُوَ مَظْلُومٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، وَمَا لَوْ ضَمِنَ عَبْدٌ مَا فِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَأَدَّى بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا لَوْ قَالَ الضَّامِنُ بِالْإِذْنِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُؤَدِّيَ دَيْنَ فُلَانٍ وَلَا أَرْجِعُ بِهِ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ (وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ لَا رُجُوعَ فِيمَا إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ بِإِذْنِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الرُّجُوعِ مَا لَوْ أَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَغَيْرِ الضَّامِنِ وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ حَتَّى يَرْجِعَ فِي الْمُتَقَوِّمِ بِمِثْلِهِ صُورَةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ)؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بَدَّلَهُ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ بِالصِّحَاحِ وَالْمِائَةِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَالنُّقْصَانُ جَرَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ مُسَامَحَةً لِلضَّامِنِ، وَلَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ بِمِائَةٍ وَتَقَاصَّا، أَوْ قَالَ: بِعْتُك الثَّوْبَ بِمَا ضَمِنْته لَك عَنْ فُلَانٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِمَا ضَمِنَهُ، وَلَوْ صَالَحَ الضَّامِنُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ أَدَّى إلَيْهِ الْبَعْضَ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي رَجَعَ بِمَا أَدَّى وَبَرِئَ فِيهِمَا وَبَرِئَ الْأَصِيلُ عَنْ الْبَاقِي فِي صُورَةِ الصُّلْحِ دُونَ صُورَةِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَقَعُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ، وَبَرَاءَةُ الضَّامِنِ إنَّمَا تَقَعُ عَنْ الْوَثِيقَةِ.. فُرُوعٌ: لَوْ أَحَالَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الضَّامِنِ، ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ هَلْ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ لَا؟ رَجَّحَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ إذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمَا غَرِمَ وَهَذَا لَمْ يَغْرَمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَهَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَهُ مِنْهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَمَا لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ مُسْلِمٍ دَيْنًا فَصَالَحَ صَاحِبَهُ عَلَى خَمْرٍ لَغَا الصُّلْحُ فَلَا يَبْرَأُ الْمُسْلِمُ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْخَمْرَ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ الضَّامِنَ بِإِذْنِهِ وَأَدَّى الدَّيْنَ لِلْمُسْتَحِقِّ رَجَعَ عَلَى الضَّامِنِ لَا عَلَى الْأَصِيلِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ إذْنِهِ وَلَا الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا.
المتن: وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ فَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ أَذِنَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالَحَتَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ فَلَا رُجُوعَ) لَهُ عَلَيْهِ لِتَبَرُّعِهِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ أَوْجَرَ طَعَامَهُ مُضْطَرًّا قَهْرًا أَوْ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَبَرِّعًا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ خَلَاصُهُ مِنْ الْهَلَاكِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَدَّى الْوَلِيُّ دَيْنَ مَحْجُورِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَوْ ضَمِنَ عَنْهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَمَا لَوْ صَارَ الدَّيْنُ إرْثًا لِلضَّامِنِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لِانْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ بِغَيْرِ إذْنٍ (وَإِنْ أَذِنَ) لَهُ فِي الْأَدَاءِ (بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ) عَلَيْهِ وَفَاءً بِالشَّرْطِ (وَكَذَا إنْ أَذِنَ) لَهُ (مُطْلَقًا) عَنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ (فِي الْأَصَحِّ) إذَا أَدَّى بِقَصْدِ الرُّجُوعِ لِلْعُرْفِ وَالثَّانِي لَا، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِذْنِ الرُّجُوعُ، وَفِي مَعْنَى الْإِذْنِ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاجِحِ لِتَضَمُّنِ التَّوْكِيلِ إذْنُهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتَهُ بِالثَّمَنِ وَالْعُهْدَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ الضَّمَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ الضَّامِنَ بِإِذْنِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَدِّ دَيْنِي فَأَدَّاهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالَحَتَهُ) أَيْ الْمَأْذُونِ (عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ)؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْآذِنِ حُصُولُ الْبَرَاءَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ. وَالثَّانِي: تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي الْأَدَاءِ دُونَ الْمُصَالَحَةِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ بِمَ يَرْجِعُ، وَهُوَ إنَّمَا يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ وَقِيمَةِ الْمُؤَدَّى، فَلَوْ صَالَحَ بِالْإِذْنِ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى ثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَنْ خَمْسَةٍ عَلَى ثَوْبٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِخَمْسَةٍ.
المتن: ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي إذَا أَشْهَدَ بِالْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي) بِالْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ (إذَا أَشْهَدَ بِالْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ) لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ فِي الشَّاهِدِ الْعَدَالَةُ. نَعَمْ لَوْ أَشْهَدَ مَسْتُورَيْنِ فَبَانَا فَاسِقَيْنِ كَفَى عَلَى الْأَصَحِّ لِإِتْيَانِهِ بِحُجَّةٍ وَلِتَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْبَاطِنِ فَكَانَ مَعْذُورًا (وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ) إذْ الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ حُجَّةٌ وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَرَافَعَانِ إلَى حَنَفِيٍّ لَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَكَانَ ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ التَّقْصِيرِ وَرَدَّهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ إشْهَادَ مَنْ يَتَّفِقُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَبُولِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لِيَحْلِفَ مَعَهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْعَزْمِ عَلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْإِشْهَادِ، فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ حَلَفَ مَعَهُ رَجَعَ، وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عِنْدَ الْإِشْهَادِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ قِيلَ: إنْ كَانَ حَاكِمُ الْبَلَدِ حِينَ الدَّفْعِ وَالْإِشْهَادِ حَنَفِيًّا فَهُوَ مُقَصِّرٌ لَمْ يَبْعُدْ. ا هـ. وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلَا يَكْفِي إشْهَادُ مَنْ يُسَافِرُ قَرِيبًا إذْ لَا يُفْضِي إلَى الْمَقْصُودِ.
المتن: فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ) أَيْ: الضَّامِنُ بِالْأَدَاءِ وَأَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ سَكَتَ (فَلَا رُجُوعَ) لَهُ (إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَدَاءِ وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ (وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِأَدَائِهِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ بِإِذْنِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ، إذْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْأَصِيلُ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِتَرْكِهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ جَزْمًا أَوْ بِتَرْكِهِ رَجَعَ جَزْمًا كَمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ، ثُمَّ أَدَّى ثَانِيًا وَأَشْهَدَ هَلْ يَرْجِعُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبْرِئُ لِلذِّمَّةِ أَوْ بِالثَّانِي لِأَنَّهُ الْمُسْقِطُ لِلضَّمَانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صِحَاحًا وَالْآخَرُ مُكَسَّرًا مَثَلًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِأَقَلِّهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بِزَعْمِهِ مَظْلُومٌ بِالثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْمُبْرِئُ لِكَوْنِهِ أَشْهَدَ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مِنْ الزَّائِدِ (فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ) وَكَذَّبَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَلَا بَيِّنَةَ (أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ) مَعَ تَكْذِيبِ الْمَضْمُونِ لَهُ (رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ الرَّاجِحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِسُقُوطِ الطَّلَبِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلِمَ الْأَصِيلُ بِالْأَدَاءِ فِي الثَّانِيَةِ. وَالثَّانِي: فِي الْأُولَى يَقُولُ تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى الْأَصِيلِ وَتَصْدِيقُ وَرَثَةِ رَبِّ الدَّيْنِ الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ كَتَصْدِيقِهِ وَهَلْ تَصْدِيقُ الْإِمَامِ حَيْثُ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَتَصْدِيقِ الْوُرَّاثِ الْخَاصِّ أَوْ تَصْدِيقِ غُرَمَاءِ مَنْ مَاتَ مُفْلِسًا كَتَصْدِيقِ رَبِّ الدَّيْنِ؟. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ. ا هـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَقُولُ: لَمْ يَنْتَفِعْ الْأَصِيلُ بِالْأَدَاءِ لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادَ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِعَدَمِ تَوْفِيَتِهِ بِالشَّرْطِ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ فِي الضَّامِنِ الْمُؤَدِّي فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ قَالَ أَشْهَدْتُ بِالْأَدَاءِ شُهُودًا وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا أَوْ طَرَأَ فِسْقُهُمْ فَكَذَّبَهُ الْأَصِيلُ فِي الْإِشْهَادِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصِيلِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الشُّهُودُ فَكَمَا لَوْ لَمْ يُشْهِدْ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحٍ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ فَكَذَّبَاهَا لَا يَقْدَحُ فِي إقْرَارِهَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّهَا ثَمَّ أَقَرَّتْ بِحَقٍّ عَلَيْهَا فَلَمْ يُلْغَ بِإِنْكَارِهِمَا، وَهَذَا هُنَا يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ حَقًّا، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي، وَرُبَّمَا نَسِينَا لَا رُجُوعَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ دَعْوَاهُ مَوْتَ الشَّاهِدِ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ اثْنَيْنِ شَيْئًا وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِلْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَرَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي حِسْبَتِهِ يَمْنَعُ أَهْلَ سُوقِ الرَّقِيقِ مِنْ الْبَيْعِ مُسَلَّمًا، وَمَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَلْحَقُ الْبَائِعَ مِنْ الدَّلَالَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالرَّقِيقِ، وَهَذَا إنْ كَانَ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا فَلَا وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِلْآخَرِ لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّهُ هُنَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْرًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ كَذَا إلَى جِهَةِ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا مُطْلَقًا. ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كِتَابُ الشِّرْكَةِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَحُكِيَ فَتْحُ الشِّينِ وَسُكُون الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَشِرْكٌ بِلَا هَاءٍ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} أَيْ نَصِيبٍ وَهِيَ لُغَةً الِاخْتِلَاطُ، وَشَرْعًا ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الْآيَةَ، وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ زَيْدٍ " كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ " وَخَبَرُ " {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصُحِّحَ إسْنَادُهُمَا. وَالْمَعْنَى: أَنَا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالْإِعَانَةِ، فَأَمُدُّهُمَا بِالْمَعُونَةِ فِي أَمْوَالِهِمَا وَأُنْزِلُ الْبَرَكَةَ فِي تِجَارَتِهِمَا، فَإِذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْخِيَانَةُ رَفَعْت الْبَرَكَةَ وَالْإِعَانَةَ عَنْهُمْ، وَهُوَ مَعْنَى خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا، وَمَقْصُودُ الْبَابِ شَرِكَةٌ تَحْدُثُ بِالِاخْتِيَارِ بِقَصْدِ التَّصَرُّفِ وَتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَلَيْسَتْ عَقْدًا مُسْتَقِلًّا، بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَالَةٌ وَتَوْكِيلٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي.
المتن: هِيَ أَنْوَاعُ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ، وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوْ اخْتِلَافِهَا. وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ. وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ لِيَبْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الْفَاضِلُ عَنْ الْأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ بَاطِلَةٌ.
الشَّرْحُ: (هِيَ) أَيْ الشَّرِكَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ (أَنْوَاعٌ) أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ (شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ) كَالْخَيَّاطِينَ وَالنَّجَّارِينَ وَالدَّلَّالِينَ (لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا) بِحِرْفَتَيْهِمَا (مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ) كَنَجَّارٍ وَنَجَّارٍ (أَوْ اخْتِلَافِهَا) كَخَيَّاطٍ وَنَجَّارٍ. (وَ) الثَّانِي: (شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ بِأَنْ يَشْتَرِكَا (لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا) قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ: بِأَمْوَالِهِمَا وَأَبْدَانِهِمَا (وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (مِنْ غُرْمٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِغَصْبٍ أَمْ بِإِتْلَافٍ أَمْ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، وَسُمِّيَتْ مُفَاوَضَةً مِنْ تَفَاوَضَا فِي الْحَدِيثِ شَرَعَا فِيهِ جَمِيعًا. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ: قَوْمٌ فَوْضَى بِفَتْحِ الْفَاءِ: أَيْ مُسْتَوُونَ. (وَ) الثَّالِثُ: (شَرِكَةُ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ) عِنْدَ النَّاسِ (لِيَبْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ) وَيَكُونُ الْمُبْتَاعُ (لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الْفَاضِلُ عَنْ الْأَثْمَانِ) الْمُبْتَاعِ بِهَا (بَيْنَهُمَا) أَوْ أَنْ يَتَّفِقَ وَجِيهٌ وَخَامِلٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَجِيهُ فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ الْخَامِلُ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْوَجِيهُ وَالْمَالُ لِلْخَامِلِ وَهُوَ فِي يَدِهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَنْ يَدْفَعَ خَامِلٌ مَالًا إلَى وَجِيهٍ لِيَبِيعَهُ بِزِيَادَةٍ وَيَكُونُ لَهُ بَعْضُ الرِّبْحِ، وَأَشْهَرُ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ (وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ) الثَّلَاثَةُ (بَاطِلَةٌ). أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهِيَ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ فَلِعَدَمِ الْمَالِ فِيهَا وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ إذْ لَا يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ بِبَدَنِهِ وَمَنَافِعِهِ فَيَخْتَصُّ بِفَوَائِدِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي مَاشِيَتِهِمَا وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ، وَيَكُونُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ بَيْنَهُمَا وَقِيَاسًا عَلَى الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ. وَأَمَّا الثَّانِي: وَهِيَ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْغَرَرِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنْ لَمْ تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةٌ فَلَا بَاطِلَ أَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، أَشَارَ إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ فِيهَا. نَعَمْ إنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ، كَأَنْ قَالَا تَفَاوَضْنَا أَوْ اشْتَرَكْنَا شَرِكَةَ عِنَانٍ جَازَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَاتِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهِيَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَلِعَدَمِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، ثُمَّ مَا يَشْتَرِيه أَحَدُهُمَا فِي التَّصْوِيرِ الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي مَلَكَهُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خُسْرَانُهُ وَفِي التَّصْوِيرِ الثَّالِثِ قِرَاضٌ فَاسِدٌ لِاسْتِبْدَادِ الْمَالِكِ بِالْيَدِ. نَعَمْ إنْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا، وَقَصَدَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ لَهُمَا فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الْعَيْنِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، وَلَوْ حَصَلَ شَيْءٌ فِي النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ اكْتِسَابِ الْمُشْتَرِكَيْنِ لَهُ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا بِحَسَبِ الشَّرْطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الثَّانِي.
المتن: وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي مَالٍ لَهُمْ لِيَتَّجِرَا فِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْعِنَانُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ ظَهَرَ، إمَّا لِأَنَّهَا أَظْهَرُ الْأَنْوَاعِ، أَوْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَالُ الْآخَرِ، أَوْ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَإِمَّا لِاسْتِوَاءِ الشَّرِيكَيْنِ فِي وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَالْفَسْخِ وَاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ كَاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ الْعِنَانِ، أَوْ لِمَنْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ التَّصَرُّفَ كَمَا شَاءَ كَمَنْعِ الْعِنَانِ الدَّابَّةَ، أَوْ لِمَنْعِ الشَّرِيكِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ كَمَنْعِ الْأَخْذِ لِعِنَانِ الدَّابَّةِ إحْدَى يَدَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا كَيْفَ شَاءَ وَيَدُهُ الْأُخْرَى مُطْلَقَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا كَيْفَ شَاءَ وَقِيلَ: مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ عَرَضَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ عَرَضَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْآخَرَ. وَقِيلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ: أَيْ سَحَابِهِ؛ لِأَنَّهَا عَلَتْ كَالسَّحَابِ بِصِحَّتِهَا وَشُهْرَتِهَا وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّتِهَا كَمَا مَرَّ. وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهَا بِالْفَتْحِ أَيْضًا مِنْ عَنَّ إذَا ظَهَرَ،
المتن: وَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ فَلَوْ اقْتَصَرَا عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ:.
الشَّرْحُ: وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ وَمَالٌ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا وَهُوَ الْعَمَلُ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِالصِّيغَةِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ شَرِكَةِ الْعِنَانِ صِيغَةٌ وَهِيَ (لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ (فِي التَّصَرُّفِ) لِمَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَا يُعْرَفُ الْإِذْنُ إلَّا بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى اللَّفْظِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ، فَلَوْ قَالَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: اتَّجِرْ أَوْ تَصَرَّفْ اتَّجَرَ فِي الْجَمِيعِ فِيمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِيمَا شِئْت كَالْقِرَاضِ، وَلَا يَتَصَرَّفُ الْقَائِلُ، إلَّا فِي نَصِيبِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَمَتَى عَيَّنَ لَهُ جِنْسًا أَوْ نَوْعًا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي غَيْرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا عَيَّنَهُ أَنْ يَعُمَّ وُجُودُهُ، وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِرَاضِ حُصُولُ الرِّبْحِ حَتَّى لَا يَضِيعَ عَمَلُ الْعَامِلِ، وَالرِّبْحُ لَا يَحْصُلُ فِيمَا لَا يَعُمُّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الشَّرِكَةِ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ فَأَشْبَهَتْ الْوَكَالَةَ (فَلَوْ اقْتَصَرَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ) فِي الْإِذْنِ الْمَذْكُورِ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا، إلَّا فِي نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ حُصُولِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ شَرِكَةً. وَالثَّانِي: يَكْفِي لِفَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عُرْفًا نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ نَوَيَا بِذَلِكَ الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ كَانَ إذْنًا كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ.
المتن: وَفِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا الرُّكْنُ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ) فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِالْمِلْكِ وَفِي مَالِ الْآخَرِ بِالْإِذْنِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إذَا أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ فِي الْآذِنِ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ، وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّوَكُّلِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَعْمَى دُونَ الثَّانِي. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ الشَّرِكَةِ لِلْوَلِيِّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْقِرَاضِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ جُزْءٍ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ وَهُوَ الرِّبْحُ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ رَشِيدٍ وَرَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي الشَّرِكَةِ اسْتَدَامَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى الْجَوَازِ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُشَارِكَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ بِحَيْثُ يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْمَحْجُورِ عِنْدَهُ. ا هـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الْمُتَصَرِّفَ دُونَ مَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ الْمُتَصَرِّفَ، وَيُكْرَهُ مُشَارَكَةُ الْكَافِرِ، وَمَنْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الرِّبَا وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ مُشَارِكَهُمَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ لِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا مِنْ الشُّبْهَةِ، وَلَوْ شَارَكَ الْمُكَاتَبُ غَيْرَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنْ كَانَ هُوَ الْمَأْذُونَ لَهُ: أَيْ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّعِ بِعَمَلِهِ، وَيَصِحُّ إنْ كَانَ هُوَ الْآذِنَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَحَّ مُطْلَقًا.
المتن: وَتَصِحُّ فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ دُونَ الْمُتَقَوِّمِ، وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَالِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ فَقَالَ: (وَتَصِحُّ) الشَّرِكَةُ (فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ) أَمَّا النَّقْدُ الْخَالِصُ فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ جَوَازُهُ إنْ اسْتَمَرَّ رَوَاجُهُ. وَأَمَّا غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْحَدِيدِ فَعَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ بِجِنْسِهِ ارْتَفَعَ التَّمْيِيزُ فَأَشْبَهَ النَّقْدَيْنِ، وَمِنْ الْمِثْلِيِّ تِبْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ فَمَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا مِنْ مَنْعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْن الْحُلِيِّ وَالسَّبَائِكِ فِي ذَلِكَ (دُونَ الْمُتَقَوِّمِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، إذْ لَا يُمْكِنُ الْخَلْطُ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ، وَحِينَئِذٍ قَدْ يَتْلَفُ مَالُ أَحَدِهِمَا أَوْ يَنْقُصُ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا (وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ) الْخَالِصِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَالْقِرَاضِ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْرُوبِ يُسَمَّى نَقْدًا وَلَيْسَ مُرَادًا.
المتن: وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ، وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسٍ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ هَذَا إذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا، فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ، وَالْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ.
الشَّرْحُ: (وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ) لِمَا مَرَّ فِي امْتِنَاعِ الْمُتَقَوِّمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْخَلْطِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لَمْ يَكْفِ جَزْمًا، إذْ لَا اشْتِرَاكَ حَالَ الْعَقْدِ فَيُعَادُ الْعَقْدُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ) إمْكَانِ التَّمْيِيزِ بِنَحْوِ (اخْتِلَافِ جِنْسٍ) كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ (أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ) وَحِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ وَحِنْطَةٍ عَتِيقَةٍ، أَوْ بَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ، أَوْ بَيْضَاءَ وَحَمْرَاءَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ، فَإِنْ خَلَطَ حِينَئِذٍ وَتَلِفَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا تَلِفَ عَلَيْهِ فَقَطْ وَتَعَذَّرَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْبَاقِي. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمِثْلَيْنِ فِي الْقِيمَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ خَلَطَ قَفِيزًا مُقَوَّمًا بِمِائَةٍ بِقَفِيزٍ مُقَوَّمٍ بِخَمْسِينَ صَحَّ وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ أَثْلَاثًا بِنَاءً عَلَى قَطْعِ النَّظَرِ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ هَذَا الْقَفِيزُ مِثْلًا لِذَلِكَ الْقَفِيزِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَعْرِفُ مَا لَهُ بِعَلَامَةٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّمْيِيزِ هَلْ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ نَظَرًا إلَى حَالِ النَّاسِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى حَالِهِمَا؟ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ا هـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (هَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ الْخَلْطِ (إذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَ فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا) مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ أَوَّلًا كَالْعُرُوضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ (بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ)؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِالْخَلْطِ حَاصِلٌ (وَالْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي) بَاقِي (الْعُرُوضِ) مِنْ الْمُتَقَوِّمِ كَالثِّيَابِ (أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ) سَوَاءٌ أَتَجَانَسَ الْعِوَضَانِ أَمْ اخْتَلَفَا أَوْ يَبِيعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَ عَرْضِهِ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَتَقَاصَّا (وَيَأْذَنُ لَهُ) بَعْدَ التَّقَابُضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا شَرَطَ فِي الْبَيْعِ (فِي التَّصَرُّفِ) فِيهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبْلَغُ فِي الِاشْتِرَاكِ أَيْ مِنْ خَلْطِ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ هُنَا إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَهُنَاكَ وَإِنْ وُجِدَ الْخَلْطُ فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْتَازٌ عَنْ مَالِ الْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْلِكَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ إنْ بِيعَ نِصْفٌ بِنِصْفٍ، وَإِنْ بِيعَ ثُلُثٌ بِثُلُثَيْنِ أَوْ رُبْعٌ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ لِأَجْلِ تَفَاوُتِهِمَا فِي الْقِيمَةِ مَلَكَاهُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ أَيْضًا، هَذَا إذَا لَمْ يَشْرُطَا فِي التَّبَايُعِ الشَّرِكَةَ فَإِنْ شَرَطَاهَا فَسَدَ الْبَيْعُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِقِيمَةِ الْعِوَضَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمِنْ الْحِيلَةِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا ذَكَرْته بَعْدَ كَلَامِهِ، وَأَنْ يَقُولَ فِي بَاقِي الْعُرُوضِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ أَوْ فِي الْمَنْقُولَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ جَائِزَةٌ بِالْخَلْطِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْعُرُوضِ، إذْ الْعَرَضُ مَا عَدَا النَّقْدِ، وَأَنْ يَقُولَ ثُمَّ يَأْذَنُ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْإِذْنِ عَنْ الْبَيْعِ لِيَقَعَ الْإِذْنُ بَعْدَ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَأَنْ يَحْذِفَ لَفْظَةَ كُلِّ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ وَتَقَاصَّا حَصَلَ الْغَرَضُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْبَدَلِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: كُلُّ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْإِذْنِ وَنِسْبَةُ الْبَيْعِ إلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُشْتَرِي بِتَأْوِيلِ أَنَّهُ بَائِعٌ لِلثَّمَنِ.
المتن: وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الشَّرِكَةِ (تَسَاوِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَدْرِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، بَلْ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا عَلَى نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، إذْ الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا) أَيْ بِقَدْرِ كُلٍّ مِنْ الْمَالَيْنِ أَهُوَ النِّصْفُ أَمْ غَيْرُهُ (عِنْدَ الْعَقْدِ) إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ مِنْ بَعْدُ بِمُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أَوْ وَكِيلٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَقَدْ تَرَاضَيَا، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ وَإِلَّا يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا أَذِنَ فِيهِ وَبِمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مَالٌ مُشْتَرَكٌ كُلٌّ مِنْهُمَا جَاهِلٌ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ مِنْهُ يَصِحُّ الْإِذْنُ فِي الْأَصَحِّ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا كَالْمُثَمَّنِ، وَلَوْ جَهِلَا الْقَدْرَ وَعَلِمَا النِّسْبَةَ بِأَنْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا الدَّرَاهِمَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوَضَعَ الْآخَرُ بِإِزَائِهَا مِثْلَهَا صَحَّ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ اشْتَبَهَ ثَوْبَاهُمْ لَمْ يَكْفِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ ثَوْبَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ.
المتن: وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِلَا ضَرَرٍ فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا يُسَافِرُ بِهِ وَلَا يُبْعِضُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ) إذَا وُجِدَ الْإِذْنُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (بِلَا ضَرَرٍ) كَالْوَكِيلِ (فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً) لِلْغَرَرِ (وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا) يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي (بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) كَالْوَكِيلِ، فَلَوْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَيَصِحُّ فِي نَفْسِهِ فَتَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ فِي الْمُشْتَرَى أَوْ فِي الْمَبِيعِ وَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَالشَّرِيكِ، فَإِنْ اشْتَرَى بِالْغَبْنِ فِي الذِّمَّةِ اُخْتُصَّ الشِّرَاءُ بِهِ فَيُزَنْ الثَّمَنُ مِنْ مَالِهِ (وَلَا يُسَافِرُ بِهِ) أَيْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لِمَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْخَطَرِ، فَإِنْ سَافَرَ ضَمِنَ، فَإِنْ بَاعَ صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ ضَامِنًا. نَعَمْ إنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ بِمَفَازَةٍ لَمْ يَضْمَنْ بِالسَّفَرِ إلَى مَقْصِدِهِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ قَاضِيَةٌ لَهُ بِذَلِكَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا لَوْ جَلَى أَهْلُ بَلَدٍ لِقَحْطٍ أَوْ عَدُوٍّ وَلَمْ تُمْكِنُهُ مُرَاجَعَةُ الشَّرِيكِ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِالْمَالِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ. (وَلَا يُبْعِضُهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَسُكُون الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ يَدِهِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، هَذَا كُلُّهُ إنْ فَعَلَهُ (بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ شَرِيكِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ ذِكْرُهُ جَازَ، نَعَمْ لَا يَسْتَفِيدُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ فِي السَّفَرِ رُكُوبَ الْبَحْرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ كَنَظِيرِهِ فِي الْقِرَاضِ وَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ: بِعْ بِكَمْ شِئْت أَنَّ لَهُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَلَا يَجُوزُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ قَالَ: بِعْ بِمَا شِئْت فَلَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ لَا بِالنَّسِيئَةِ وَلَوْ قَالَ: كَيْفَ شِئْت فَلَهُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ لَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا.
المتن: وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِهِمَا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي لَمْ يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ.
الشَّرْحُ: ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَلِكُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ) كَالْوَكَالَةِ (وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ) جَمِيعًا (بِفَسْخِهِمَا) أَيْ بِفَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا (فَإِنْ) لَمْ يَفْسَخَا وَلَا أَحَدُهُمَا، وَلَكِنْ (قَالَ أَحَدُهُمَا) لِلْآخَرِ: (عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي) انْعَزَلَ الْمُخَاطَبُ، وَ (لَمْ يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ) فَيَتَصَرَّفُ فِي نَصِيبِ الْمَعْزُولِ؛ لِأَنَّ الْعَازِلَ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ بِخِلَافِ الْمُخَاطَبِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُخَاطَبُ عَزْلَهُ فَلِيَعْزِلَهُ.
المتن: وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ.
الشَّرْحُ: (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ)، كَالْوَكَالَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ فِي الثَّالِثَةِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُولَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ إنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا، وَاسْتُثْنِيَ فِي الْبَحْرِ إغْمَاءٌ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ فَلَا فَسْخَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، وَعَلَى وَلِيِّ الْوَارِثِ غَيْرِ الرَّشِيدِ فِي الْأُولَى وَالْمَجْنُونِ فِي الثَّانِيَةِ: اسْتِئْنَافُهَا لَهُمَا وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ عِنْدَ الْغِبْطَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَفَتْ الْغِبْطَةُ فَعَلَيْهِ الْقِسْمَة. أَمَّا إذَا كَانَ الْوَارِثُ رَشِيدًا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِوَلِيِّ غَيْرِ الرَّشِيدِ اسْتِئْنَافُهَا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ كَالْمَرْهُونِ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْمَرْهُونِ بَاطِلَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ فَهُوَ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ فَيَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ رَشِيدًا أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَتَنْفَسِخُ أَيْضًا بِطُرُوِّ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ وَالْفَلَسِ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا كَنَظِيرِهِ فِي الْوَكَالَةِ، وَتَنْفَسِخُ بِطُرُوِّ الِاسْتِرْقَاقِ وَالرَّهْنِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ.
المتن: وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا، فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ فَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ.
الشَّرْحُ: (وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ) بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا الْأَجْزَاءِ شَرَطَا ذَلِكَ أَوْ لَا (تَسَاوَيَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا) فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَتُهُمَا، فَكَانَ عَلَى قَدْرِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ، فَأَثْمَرَتْ أَوْ شَاةٌ فَنَتَجَتْ (فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ)، بِأَنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالَيْنِ، أَوْ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ (فَسَدَ الْعَقْدُ) لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ، وَلَوْ شَرَطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ لِلْأَكْثَرِ مِنْهُمَا عَمَلًا بَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا لَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي الْخُسْرَانِ (فَيَرْجِعُ كُلٌّ) مِنْهُمَا (عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ) أَيْ: الْآخَرِ كَالْقِرَاضِ إذَا فَسَدَ، وَكَذَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ فَسَادِ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ.
تَنْبِيهٌ: يَرُدَّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَتَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ، وَشَرَطَ الْأَقَلَّ لِلْأَكْثَرِ عَمَلًا لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي أُجْرَةِ الْعَمَلِ وَقَعَ التَّقَاصُّ فِي الْجَمِيعِ، إنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ أَيْضًا وَفِي بَعْضِهِ إنْ تَفَاوَتَا فِيهِ، وَلَوْ تَسَاوَيَا مَالًا لَا عَمَلًا وَشَرَطَ زِيَادَةً لِمَنْ عَمِلَ مِنْهُمَا أَكْثَرَ قَاصَّ صَاحِبَهُ بِرُبْعِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا زَادَ وَهُوَ رُبْعُهَا، وَلَوْ شُرِطَتْ الزِّيَادَةُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ زَادَ عَمَلُهُ فَزَادَ عَمَلُ الْآخَرِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ لِتَبَرُّعِهِ بِمَا زَادَ مِنْ عَمَلِهِ (وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ) مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ (وَالرِّبْحُ) بَيْنَهُمَا (عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْهُمَا، وَقَدْ أَبْطَلْنَا الشَّرِكَةَ فَرَجَعَ إلَى الْأَصْلِ (وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ) كَالْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ (فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ) أَيْ فِي رَدِّ نَصِيب الشَّرِيكِ..
المتن: وَالْخُسْرَانِ وَالتَّلَفِ فَإِنْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ.
الشَّرْحُ: أَمَّا لَوْ ادَّعَى رَدّ الْكُلِّ وَأَرَادَ طَلَبَ نَصِيبَهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي طَلَبِهِ. (وَ) فِي (الْخُسْرَانِ وَ) فِي (التَّلَفِ) إنْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ (فَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ التَّلَفَ (بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ) كَحَرِيقٍ وَجَهْلٍ (طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ) بَعْدَ إقَامَتِهَا (يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ) بِيَمِينِهِ، فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ دُونَ عُمُومِهِ بِيَمِينِهِ أَوْ وَعُمُومُهُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخَرِ بَابِ الْوَدِيعَةِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ هُوَ لِي، وَقَالَ الْآخَرُ مُشْتَرَكٌ أَوْ بِالْعَكْسِ صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَوْ قَالَ اقْتَسَمْنَا وَصَارَ لِي صُدِّقَ الْمُنْكِرُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (هُوَ لِي، وَقَالَ الْآخَرُ): هُوَ (مُشْتَرَكٌ أَوْ) قَالَا (بِالْعَكْسِ) أَيْ قَالَ: مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ؛ هُوَ مُشْتَرَكٌ وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ لِي (صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَقَدْ ادَّعَى صَاحِبُهَا جَمِيعَ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَنِصْفَهُ فِي الثَّانِيَةِ (وَلَوْ قَالَ) صَاحِبُهُ: (اقْتَسَمْنَا وَصَارَ) مَا فِي يَدِي (لِي) وَقَالَ الْآخَرُ: لَا، بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ (صُدِّقَ الْمُنْكِرُ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَلَكَ هَذَا الرَّقِيقَ مَثَلًا بِالْقِسْمَةِ وَحَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ مُشْتَرَكًا، وَإِلَّا فَلِلْحَالِفِ.
المتن: وَلَوْ اشْتَرَى وَقَالَ اشْتَرَيْته لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَر صُدِّقَ الْمُشْتَرِي.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اشْتَرَى) أَحَدُهُمَا شَيْئًا (وَقَالَ: اشْتَرَيْته لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَر)، بِأَنْ عَكَسَ مَا قَالَهُ (صُدِّقَ الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ وَسَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِالشَّرِكَةِ أَوْ نَوَاهَا. وَالْغَالِبُ: أَنَّ الْأَوَّلَ يَقَعُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخُسْرَانِ وَالثَّانِي عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَظَهَرَ كَوْنُهُ مَعِيبًا فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ لِلشَّرِكَةِ لِيَرُدَّ حِصَّتَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْعِمْرَانِيُّ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ أَخَذَ شَخْصٌ جَمَلًا لِرَجُلٍ مَثَلًا وَرَاوِيَةً لِآخَرَ لِيَسْقِيَ الْمَاءَ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَالْحَاصِلُ بَيْنَهُمْ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ أَشْيَاءَ مُتَمَيِّزَةٍ وَالْمَاءُ الْحَاصِلُ بِالِاسْتِقَاءِ لِلْمُسْتَقِي إنْ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ مُبَاحًا وَقَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ وَعَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَالِهِ، فَإِنْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ بِالِاسْتِقَاءِ فِي الْمُبَاحِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ لِجَوَازِ النِّيَابَةِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ أَمْثَالِهِمْ لِحُصُولِهِ بِمَنَافِعَ مُخْتَلِفَةٍ بِلَا تَرْجِيحٍ بَيْنَهُمْ. وَلَوْ اشْتَرَكَ مَالِكُ أَرْضٍ وَمَالِكُ بَذْرٍ وَمَالِكُ آلَةِ حَرْثٍ مَعَ رَابِعٍ يَعْمَلُ عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ شَرِكَةً لِعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ، وَلَا إجَارَةً لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةِ، وَلَا قِرَاضًا، إذْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْسُ مَالٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ، وَلَهُمْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ حَصَلَ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ فَإِنْ قِيلَ: الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مُطْلَقًا حَصَلَ رِبْحٌ أَوْ لَا، وَالْمَعْنَى الَّذِي هُنَا مَوْجُودٌ ثَمَّ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِيهِ صُورَةُ الْقِرَاضِ، وَمَا هُنَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا صُورَةُ شَرِكَةٍ وَلَا إجَارَةٍ، بَلْ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ بِهِ الْجَعَالَةُ الْفَاسِدَةُ، وَالْعَامِلُ فِيهَا إنَّمَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إذَا وُجِدَ فِيهَا الْغَرَضُ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: سَمِّنْ هَذِهِ الشَّاةَ مَثَلًا وَلَك نِصْفُهَا أَوْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَك إحْدَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلنِّصْفِ الَّذِي سَمَّنَهُ لِلْمَالِكِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فِي قُرَى مَصْرَ فِي الْفَرَارِيجِ يَدْفَعُ كَاشِفُ النَّاحِيَةِ أَوْ مُلْتَزِمُ الْبَلَدِ إلَى بَعْضِ الْبُيُوتِ الْمِائَةَ أَوْ الْأَكْثَرَ أَوْ الْأَقَلَّ وَيَقُولُ: رَبُّوهَا وَلَكُمْ نِصْفُهَا فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَظِيمًا.
المتن: شَرْطُ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ فِيهِ بِمِلْكٍ أَوْ وِلَايَةٍ.
الشَّرْحُ: كِتَابُ الْوَكَالَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لُغَةً: التَّفْوِيضُ، يُقَالُ وَكَّلَ أَمَرَهُ إلَى فُلَانٍ: فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَاكْتَفَى بِهِ وَمِنْهُ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ. وَشَرْعًا: تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ إلَى غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} وَقَوْلُهُ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} فَهَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ، وَمِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ}. وَمِنْهَا {تَوْكِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي نِكَاحِ أُمِّ حَبِيبَةَ}. وَمِنْهَا {تَوْكِيلُهُ أَبَا رَافِعٍ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ} وَمِنْهَا {تَوْكِيلُهُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ} وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا، فَإِنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ قِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ كُلِّهَا، بَلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ: إنَّ قَبُولَهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وَلِخَبَرِ {وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ} وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُوَكِّلٌ، وَوَكِيلٌ، وَمُوَكَّلٌ فِيهِ، وَصِيغَةٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ. فَقَالَ: (شَرْطُ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ (فِيهِ) وَهُوَ التَّصَرُّفُ الْمَأْذُونُ فِيهِ (بِمِلْكٍ) كَتَوْكِيلِ نَافِذِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ (أَوْ وِلَايَةٍ) كَتَوْكِيلِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ.
المتن: فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ
الشَّرْحُ: (فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ) وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ وَلَا نَائِمٍ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَلَا فَاسِقٍ فِي نِكَاحِ ابْنَتِهِ، إذْ لَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُمْ لِذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ الْأَصْلُ عَلَى تَعَاطِي الشَّيْءِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقْدِرَ، وَاحْتَرَزَ بِالْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُوَكِّلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَلِيٍّ.
المتن: وَلَا الْمَرْأَةِ وَالْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ (الْمَرْأَةِ) أَجْنَبِيًّا (وَ) لَا (الْمُحْرِمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ حَلَالًا فِي النِّكَاحِ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَلَا تُوَكِّلُ فِيهِ. أَمَّا لَوْ أَذِنَتْ لِلْوَلِيِّ بِصِيغَةِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَصُورَةُ تَوْكِيلِهِ أَنْ يُوَكِّلَ لِيَعْقِدَ لَهُ أَوْ لِمُوَلِّيهِ حَالَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَعْقِدَ لَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ دُونَ الْإِذْنِ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِيمَا لَوْ وَكَّلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْخَمْرَ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حَلَالًا بِالتَّزْوِيجِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ.
المتن: وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الطِّفْلِ.
الشَّرْحُ: (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ) وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ (فِي حَقِّ الطِّفْلِ) فِي النِّكَاحِ وَالْمَالِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِي الْمَالِ، فَيُوَكَّلُ الْوَلِيُّ عَنْ الطِّفْلِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْهُمَا مَعًا، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْ الطِّفْلِ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا لَمْ يَنْعَزِلْ الْوَكِيلُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا عَنْ الْوَلِيِّ: وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِمْ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الطِّفْلَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ هَؤُلَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذُكِرَ هُنَا فِي تَوْكِيلِ الْوَصِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ لَا يُوَكَّلُ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ: أَيْ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْإِطْلَاقُ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ السَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ وَالْعَبْدِ فِيمَا يَسْتَقِلُّونَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَسْتَقِلُّونَ بِهِ إلَّا بَعْدَ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالْغَرِيمِ وَالسَّيِّدِ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ فِي قَبْضِهَا لَهُمْ. قَالَ فِي الْخَادِمِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ.
المتن: وَيُسْتَثْنَى تَوْكِيلُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَصِحُّ.
الشَّرْحُ: (وَيُسْتَثْنَى) مِنْ هَذَا الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ طَرْدًا وَعَكْسًا صُوَرٌ. فَمِنْ صُوَرِ الثَّانِي، وَهُوَ مَنْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ (تَوْكِيلُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (فَيَصِحُّ)، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِقَطْعِ طَرَفٍ أَوْ لَحَدِّ قَذْفٍ، فَيَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَائِهِ مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاؤُهُ، وَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ مَنْ يَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَا لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَا عَنْهَا بَلْ عَنْهُ أَوْ مُطْلَقًا فِي نِكَاحِ مُوَلِّيَتِهِ فَيَصِحُّ فَإِنْ كَانَتْ الْمُوَكِّلَةُ هِيَ الْمُوَلِّيَةَ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي. وَمَا لَوْ وَكَّلَتْ مَالِكَةُ الْأَمَةِ وَلِيَّهَا فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَمْلِكُ هِيَ تَزْوِيجَهَا، وَمِنْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّتْ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ بِالْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ صَحَّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ: الْوَلِيُّ غَيْرُ الْمُجْبَرِ إذَا أَذِنَتْ لَهُ مُوَلِّيَتُهُ فِي النِّكَاحِ وَنَهَتْهُ عَنْ التَّوْكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُوَكِّلُ، وَمَا إذَا جَوَّزْنَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَكْسِرَ الْبَابَ وَيَأْخُذَ مَا يَجِدُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَيَحْتَمِلُ جَوَازُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ إحْدَى رَقِيقَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَا يُوَكِّلُ فِي التَّعْيِينِ وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ، إذَا عَيَّنَ لِلْوَكِيلِ الْمُعَيَّنَ أَوْ الْمُخْتَارَ، فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ، وَالْأَصَحُّ فِيهَا الصِّحَّةُ كَمَا سَيَأْتِي فَيَصِحُّ، وَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمُسْلِمُ قِصَاصًا مِنْ مُسْلِمٍ لَا يُوَكِّلُ فِي اسْتِيفَائِهِ كَافِرًا، وَالسَّفِيهُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ، فَإِنَّ حِجْرَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ إلَّا عَنْ مُبَاشَرَتِهِ، وَالْوَكِيلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّوْكِيلِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ مُمْتَنِعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّدِّ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوَكِّلَ كَافِرًا فِي نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ.
المتن: وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ، لَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ لَكِنْ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي: وَهُوَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ: (وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ) الْمَأْذُونَ فِيهِ (لِنَفْسِهِ) وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ تَوَكُّلُهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَقْوَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَضْعَفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَ (لَا صَبِيٍّ وَ) لَا (مَجْنُونٍ) وَلَا نَائِمٍ وَلَا مَعْتُوهٍ لِسَلْبِ وِلَايَتِهِمْ (وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ) بِضَمِّ الْمِيمِ (فِي) عَقْدِ (النِّكَاحِ) إيجَابًا وَقَبُولًا لِسَلْبِ عِبَارَتِهِمَا فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ لِلنِّكَاحِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ لِلْفِرَاقِ إلَّا إذَا عَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ مَنْ يَخْتَارُهَا أَوْ يُفَارِقُهَا، وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ فِي أَحْكَام الْخَنَاثَى، وَذَكَرُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَفَقُّهًا قَالَ وَلَوْ بَانَ ذَكَرًا فَعَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا (لَكِنْ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ) مُمَيِّزٍ مَأْمُونٍ (فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ) لِتَسَامُحِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ تَوْكِيلٌ مِنْ جِهَةِ الْآذِنِ وَالْمُهْدِي، وَالثَّانِي لَا كَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَحْتَفَّ بِخَبَرِهِ قَرِينَةٌ، فَإِنْ احْتَفَّتْ بِهِ وَأَفَادَتْ الْعِلْمَ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِهِ جَزْمًا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ لَا بِخَبَرِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي إخْبَارِهِ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْوَلِيمَةِ، وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ، بَلْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا أَعْلَمُ فِي جَوَازِ اعْتِمَادِهِمَا خِلَافًا.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الصَّبِيِّ فِيمَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ، فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ وَفِي ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ لِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ لِذَلِكَ.
المتن: وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ وَمَنْعُهُ فِي الْإِيجَابِ.
الشَّرْحُ: (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ (وَمَنْعُهُ فِي الْإِيجَابِ)، وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُزَوِّجْ بِنْتَ نَفْسِهِ فَبِنْتُ غَيْرِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ: مَنْعُهُ فِيهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِمَادَ قَوْلِ الصَّبِيِّ فِي الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ وَتَوْكِيلِ الْعَبْدِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ مُسْتَثْنَى مِنْ عَكْسِ الضَّابِطِ، وَهُوَ مَنْ لَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى اسْتِثْنَائِهَا بِقَوْلِهِ: لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْرَاكِ، وَيُسْتَثْنَى مَعَهَا مَسَائِلُ أَيْضًا: مِنْهَا تَوْكِيلُ الشَّخْصِ فِي نِكَاحِ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَكَذَا مَنْ تَحْتَهُ أَرْبَعٌ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُهُ فِي نِكَاحِ مُحَرَّمَةٍ كَأُخْتِهِ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُوسِرِ فِي قَبُولِ نِكَاحِ أَمَةٍ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ السَّفِيهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي شِرَاءِ مُسْلِمٍ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا. وَمِنْهَا الْمُرْتَدُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مَا إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّاهُ. وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ لِغَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فَمَوْقُوفٌ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا انْقِطَاعُ التَّوْكِيلِ، إذَا وَكَّلَ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَهَذَا كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الْوَقْفُ هُنَا عَلَى الْقَدِيمِ الْقَائِل بِوَقْفِ الْعُقُودِ، وَجَزَمَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّ رِدَّةَ الْمُوَكِّلِ عَزْلٌ دُونَ رِدَّةِ الْوَكِيلِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَزْلٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي طَلَاقِ الْمُسْلِمَةِ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ طَلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ، بِأَنْ تُسْلِمَ أَوَّلًا وَيَتَخَلَّفَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ يُسْلِمُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَإِنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْوَكِيلِ أَيْضًا تَعْيِينُهُ، فَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: وَكَّلْت أَحَدَكُمَا فِي بَيْعِ دَارِي مَثَلًا، أَوْ قَالَ: أَذِنْت لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ دَارِي، أَنْ يَبِيعَهَا لَمْ يَصِحَّ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي بَيْعِ كَذَا مَثَلًا وَكُلَّ مُسْلِمٍ صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا. قَالَ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَيُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ الْقَاضِي: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَفِي وَكِيلِ الْوَلِيِّ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُوَلِّي عَدَمُ الْفِسْقِ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ السَّكْرَانِ بِمُحَرَّمٍ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ بِمُبَاحٍ كَدَوَاءٍ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُفْلِسِ، وَلَوْ لَزِمَتْهُ عُهْدَةٌ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ كَمَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ. مُهِمَّةٌ: هَلْ الْمُرَادُ فِي شَرْطِ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ فِي جِنْسِ مَا وَكَّلَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ فِي عَيْنِهِ؟ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ لِذَلِكَ الْجِنْسِ وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ فَيَسْقُطُ اسْتِثْنَاءُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ الْأَعْمَى مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّ الْأَعْمَى يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ السَّلَم، وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ مَالِكٌ لِمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْكُلِّ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَصِيرَ لَوْ وَرِثَ عَيْنًا غَائِبَةً، فَوَكَّلَ فِي بَيْعِهَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْبَيْعُ.
المتن: وَشَرْطُ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ: فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعٍ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ، وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ بَدَأَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَقَالَ: (وَشَرْطُ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ) حِينَ التَّوْكِيلِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ كَيْفَ يَأْذَنُ فِيهِ؟
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا فِيمَنْ يُوَكِّلُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَالْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ وَكُلُّ مَنْ جَوَّزْنَا لَهُ التَّوْكِيلَ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا يَمْلِكُونَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ عَنْهُ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّصَرُّفُ الْمُوَكَّلُ فِيهِ لَا مَحَلُّ التَّصَرُّفِ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: بَلْ مَا قَالَهُ هُوَ الْعَجِيبُ بَلْ الْمُرَادُ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ بِلَا شَكٍّ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ، فَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعٍ) أَوْ إعْتَاقِ (عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا) وَتَزْوِيجِ بِنْتِهِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَقَضَاءِ دَيْنٍ سَيَلْزَمُهُ (بَطَلَ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ حَالَ التَّوْكِيلِ فَكَيْفَ يَسْتَنِيبُ غَيْرَهُ؟. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيُكْتَفَى بِحُصُولِ الْمِلْكِ عِنْدَ التَّصَرُّفِ.
تَنْبِيهٌ: صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يُفْرِدَ مَا لَا يَمْلِكُهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُهُ، فَإِنْ جَعَلَهُ تَبَعًا لِحَاضِرٍ كَبَيْعِ مَمْلُوكٍ، وَمَا سَيَمْلِكُهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلرَّافِعِيِّ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ الْمَوْجُودِ، وَمَا سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَيْنٍ يَمْلِكُهَا، وَأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِثَمَنِهَا كَذَا فَأَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ بِطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا تَبَعًا لِمَنْكُوحَتِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِ ثَمَرَةٍ قَبْلَ إثْمَارِهَا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِأَصْلِهَا، وَأَفْتَى بِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ دَخَلَ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ.
المتن: وَأَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنِّيَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ إلَّا الْحَجَّ وَتَفْرِقَةَ زَكَاةٍ، وَذَبْحَ أُضْحِيَّةٍ، وَلَا فِي شَهَادَةٍ وَإِيلَاءٍ وَلِعَانٍ وَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلَا فِي الظِّهَارِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنِّيَابَةِ)؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إنَابَةٌ فَمَا لَا يَقْبَلُهَا كَاسْتِيفَاءِ حَقِّ الْقَسْمِ بَيْن الزَّوْجَاتِ لَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ (فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ بِإِتْعَابِ النَّفْسِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّوْكِيلِ (إلَّا الْحَجَّ) وَالْعُمْرَةَ عِنْد الْعَجْزِ (وَتَفْرِقَةَ زَكَاةٍ) وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ (صَدَقَةٍ (وَذَبْحَ) هَدْيٍ وَجُبْرَانَ وَعَقِيقَةٍ وَ وَأُضْحِيَّةٍ) وَشَاةِ وَلِيمَةٍ وَنَحْوِهَا لِأَدِلَّةٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الرَّمْيُ بِمِنًى وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ تَبَعًا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَوْ أَفْرَدَهُمَا بِالتَّوْكِيلِ لَمْ يَصِحَّ، وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ الْمُتَطَهِّرِ وَالْمُتَيَمِّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ وَالْمُتَيَمِّمَ حَقِيقَةً هُوَ الْعَاجِزُ وَصَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَاعْتَذَرَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ اسْتِثْنَاءِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَقْفِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْعِبَادَةِ التَّوْكِيلُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَا) يَصِحُّ (فِي شَهَادَةٍ)؛ لِأَنَّا احْتَطْنَا فِيهَا وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُ لَفْظِهَا مَقَامَهَا فَأُلْحِقَتْ بِالْعِبَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِعِلْمِ الشَّاهِدِ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ لِلْوَكِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِاسْتِرْعَاءٍ وَنَحْوِهِ جَائِزَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَوْكِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، بَلْ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ جَعَلَتْ شَهَادَةَ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ. (وَ) لَا فِي (إيلَاءٍ) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالْيَمِينُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ)؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ، وَالنِّيَابَةُ لَا تَصِحُّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَ) لَا فِي (سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الْأَيْمَانِ)؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْعِبَادَةَ لِتَعَلُّقِهَا بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فِي النَّذْرِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْيَمِينِ (وَلَا فِي الظِّهَارِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَلْفَاظٍ وَخَصَائِصَ كَالْيَمِينِ. وَالثَّانِي: يَلْحَقُهُ بِالطَّلَاقِ، وَعَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ عَلَى مُوَكَّلِي كَظَهْرِ أُمِّهِ، أَوْ جَعَلْت مُوَكَّلِي مُظَاهِرًا مِنْك، وَلَا فِي الْمَعَاصِي كَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَخْتَصُّ بِمُرْتَكِبِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَقْصُودٌ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي الظِّهَارِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً؟. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ، بَلْ تَرَتُّبُ الْكَفَّارَةِ وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ قَهْرًا كَالتَّوْكِيلِ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ، وَلِذَلِكَ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيمَا يُحَرَّمُ وَيُوصَفُ بِالصِّحَّةِ كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ، وَالْبَيْعُ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَا فِي مُلَازَمَةِ مَجْلِسِ الْخِيَارِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ فِي الْعَقْدِ مَنُوطٌ بِمُلَازَمَةِ الْعَاقِدِ.
المتن: وَيَصِحُّ فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ، وَهِبَةٍ، وَسَلَمٍ، وَرَهْنٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَقَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا وَالدَّعْوَى وَالْجَوَابِ.
الشَّرْحُ: (وَيَصِحُّ) التَّوْكِيلُ (فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَسَلَمٍ وَرَهْنٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ) مُنْجَزٍ (وَسَائِرُ الْعُقُودِ) كَالضَّمَانِ وَالصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ وَالشَّرِكَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. أَمَّا النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ فَبِالنَّصِّ. وَأَمَّا الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ (وَالْفُسُوخِ) الْمُتَرَاخِيَةِ كَالْإِيدَاعِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْجَعَالَةِ وَالضَّمَانِ وَالشَّرِكَةِ وَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّوْكِيلِ فِي الْفُسُوخِ التَّوْكِيلُ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الزَّوَائِدِ عَلَى أَرْبَعٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا مَرَّ. أَمَّا الْفَسْخُ الَّذِي عَلَى الْفَوْرِ فَيُنْظَرُ فِيهِ إنْ حَصَلَ عُذْرٌ لَا يُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرًا بِالتَّوْكِيلِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ لِلتَّقْصِيرِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَصِيغَةُ الضَّمَانِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْوَكَالَةِ: جَعَلْت مُوَكَّلِي ضَامِنًا لَك كَذَا، أَوْ أَحَلْتُك بِمَا لَكَ عَلَى مُوَكَّلِي مِنْ كَذَا بِنَظِيرِهِ مِمَّا لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ مُوصِيًا لَك بِكَذَا. (وَ) فِي (قَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. أَمَّا الْأَعْيَانُ، فَتَارَةً يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِهَا وَإِقْبَاضِهَا كَالزَّكَاةِ، فَلِلْأَصْنَافِ أَنْ يُوَكِّلُوا فِي قَبْضِهَا لَهُمْ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا لَهُمْ، وَتَارَةً يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِهَا دُونَ إقْبَاضِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا كَالْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَفْعُهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا؛ فَلَوْ سَلَّمَهَا لِوَكِيلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا كَانَ مُفَرِّطًا، لَكِنَّهَا إذَا وَصَلَتْ إلَى مَالِكِهَا خَرَجَ الْمُوَكَّلُ عَنْ عُهْدَتِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَنْ الْجَوْجَرِيِّ مَا يَقْتَضِي اسْتِثْنَاءَ الْعِيَالِ كَالِابْنِ وَغَيْرِهِ. ا هـ. وَهُوَ حَسَنٌ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ.
تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الدُّيُونَ يَشْمَلُ الْمُؤَجَّلَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ، وَلَا شَكَّ فِي الصِّحَّةِ لَوْ جَعَلْنَاهُ تَابِعًا لِلْحَالِ. (وَ) فِي (الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالٍ أَمْ فِي غَيْرِهِ إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي.
المتن: وَكَذَا فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ فِي الْأَظْهَرِ، لَا فِي الْإِقْرَارِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَكَذَا) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (فِي تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ، فَيَحْصُلُ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ إذَا قَصَدَهُ الْوَكِيلُ بِهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا الْخِلَافُ مُخَرَّجٌ، فَتَارَةً يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْقَوْلَيْنِ كَمَا هُنَا. وَتَارَةً بِالْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الِالْتِقَاطِ كَمَا فِي الِاغْتِنَامِ، فَلَوْ وُكِّلَ فِيهِ فَالْتَقَطَهُ كَانَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الْوِلَايَةِ لَا لِشَائِبَةِ الِاكْتِسَابِ وَ (لَا) يَصِحُّ (فِي الْإِقْرَارِ فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُك لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَيَقُولُ الْوَكِيلُ أَقْرَرْت عَنْهُ بِكَذَا، أَوْ جَعَلْتُهُ مُقِرًّا بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالشَّهَادَةِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ كَمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِبْرَاءِ لَيْسَ بِإِبْرَاءٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ وَكَّلْتُكَ لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا كَمَا مَثَّلْتُهُ، فَلَوْ قَالَ أَقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ لَهُ عَلَيَّ كَانَ إقْرَارًا قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ: أَقِرَّ لَهُ عَلَيَّ بِأَلْفٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا قَطْعًا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ.
المتن: وَيَصِحُّ فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَقِيل لَا يَجُوزُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ.
الشَّرْحُ: (وَيَصِحُّ) التَّوْكِيلُ (فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، بَلْ قَدْ يَجِبُ التَّوْكِيلُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَكَذَا فِي قَطْعِ الطَّرَفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ الْمَنْعَ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ {اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ} وَفِي غَيْرِهَا {وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا} وَكَذَا مِنْ السَّيِّدِ فِي حَدِّ رَقِيقِهِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُهَا لِبِنَائِهَا عَلَى الدَّرْءِ. نَعَمْ قَدْ يَقَعُ إثْبَاتُهَا بِالْوَكَالَةِ تَبَعًا بِأَنْ يَقْذِفَ شَخْصٌ آخَرَ فَيُطَالِبُهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ، فَلَهُ أَنْ يَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ زِنَاهُ بِالْوَكَالَةِ أَوْ بِدُونِهَا، فَإِذَا ثَبَتَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَحَلُّ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا وَكَّلَهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ، فَإِنْ وَكَّلَهُ قَبْلَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ (وَقِيل لَا يَجُوزُ) اسْتِيفَاؤُهَا (إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ) لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ بِالْغَيْبَةِ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ كَاحْتِمَالِ رُجُوعِ الشُّهُودِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ فِي غَيْبَتِهِمْ.
المتن: وَلْيَكُنْ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: الْمَحْكِيُّ بِقِيلَ قَوْلٌ مِنْ طَرِيقَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: الْقَطْعُ بِهِ وَالثَّالِثَةُ: الْقَطْعُ بِمُقَابِلِهِ، وَالثَّالِثُ: مِنْ الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوْكِيلُ بِوَجْهٍ مَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلْيَكُنْ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) حَيْثُ يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ (وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ)؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ الْوَكَالَةِ لِلْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ فِيهِ فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ وَجْهٍ يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ لِلْوَكِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَثُرَ (فَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ) لِي أَوْ مِنْ أُمُورِي (أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي، أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كُلَّ شَيْءٍ) أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فَتَصَرَّفْ كَيْف شِئْت، أَوْ نَحْو ذَلِكَ (لَمْ يَصِحَّ) التَّوْكِيلُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، إذْ يَدْخُلُ فِي هَذَا أُمُورٌ لَوْ عَرَضَ تَفْصِيلَهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ كَطَلَاقِ زَوْجَاتِهِ، وَعِتْقِ أَرِقَّائِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَاسْتَنْكَرَهُ وَقَدْ مَنَعَ الشَّارِعُ بَيْعَ الْغَرَرِ وَهُوَ أَخَفُّ خَطَرًا مِنْ هَذَا، وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِيمَا يَصِحُّ تَبَعًا.
المتن: وَإِنْ قَالَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِي وَعِتْقِ أَرِقَّائِي صَحَّ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ قَالَ) وَكَّلْتُك (فِي بَيْعِ أَمْوَالِي) وَقَبْضِ دُيُونِي وَاسْتِيفَائِهَا (وَعِتْقِ أَرِقَّائِي) وَرَدِّ وَدَائِعِي وَمُخَاصَمَةِ خُصَمَائِي وَنَحْوِ ذَلِكَ (صَحَّ) وَإِنْ جَهِلَ الْأَمْوَالَ وَالدُّيُونَ وَمَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَالْأَرِقَّاءَ وَالْوَدَائِعَ وَمَنْ هِيَ عِنْدَهُ، وَالْخُصُومَ وَمَا فِيهِ الْخُصُومَةُ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِيهِ قَلِيلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: بِعْ بَعْضَ مَالِي أَوْ طَائِفَةً أَوْ سَهْمًا مِنْهُ، أَوْ بِعْ هَذَا أَوْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ، وَلَوْ قَالَ: بِعْ أَوْ هَبْ مِنْ مَالِي، أَوْ اقْضِ مِنْ دُيُونِي مَا شِئْت، أَوْ أَعْتِقْ أَوْ بِعْ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْت، صَحَّ فِي الْبَعْضِ لَا فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَأْتِي الْوَكِيلُ بِالْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ: طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ مَنْ شَاءَتْ الطَّلَاقَ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي هَذِهِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ فَلَا تُصَدَّقُ مَشِيئَةُ وَاحِدَةٍ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى أَيِّ امْرَأَةٍ شَاءَتْ مِنْهُنَّ الطَّلَاقَ طَلِّقْهَا بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَصُدِّقَتْ مَشِيئَتُهُ فِيمَا لَا يَسْتَوْعِبُ الْجَمِيعَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَشِيئَتِهِ فِيمَا يَسْتَوْعِبُهُ احْتِيَاطًا، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْ لِي مَنْ شِئْت صَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْ مِنْ مَالِي مَا شِئْت، وَلَوْ قَالَ: أَبْرِئْ فُلَانًا عَمَّا شِئْت مِنْ مَالِي صَحَّ وَلْيُبْقِ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ عَنْ الْجَمِيعِ، فَأَبْرَأَهُ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ صَحَّ، أَوْ أَبْرِئْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ أَبْرَأَهُ عَنْ أَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِالْإِبْرَاءِ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَإِنْ جَهِلَهُ الْوَكِيلُ وَالْمَدْيُونُ.
المتن: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ، أَوْ دَارٍ وَجَبَ بَيَانُ الْمَحَلَّةِ وَالسِّكَّةِ، لَا قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ) كَتُرْكِيٍّ أَوْ هِنْدِيٍّ، وَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ كَعَبْدٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَإِنْ تَبَايَنَتْ أَصْنَافُ نَوْعٍ وَجَبَ بَيَانُ الصِّنْفِ كَخَطَابِيٍّ وَقَفْجَاقِيٍّ، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِيفَاءُ أَوْصَافِ السَّلَمِ وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ رَقِيقٍ وَجَبَ مَعَ بَيَانِ النَّوْعِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ تَقْلِيلًا لِلْغَرَرِ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا كَمَا تَشَاءُ لَمْ يَصِحَّ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ (أَوْ) فِي (دَارٍ وَجَبَ بَيَانُ الْمَحَلَّةِ) أَيْ الْحَارَةِ (وَالسِّكَّةِ) بِكَسْرِ السِّينِ: أَيْ الزُّقَاقِ، وَالْعِلْمُ بِالْبَلَدِ وَنَحْوِهَا مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ، وَفِي شِرَاءِ الْحَانُوت يُبَيِّنُ السُّوقَ لِيَقِلَّ الْغَرَرُ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ فِيهِ ذِكْرُ نَوْعٍ وَلَا غَيْرِهِ، بَلْ يَكْفِي اشْتَرِ مَا شِئْت مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ مَا فِيهِ حَظٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بِشِرَاءٍ عَبْدٍ لَمْ يَصِفْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي مَنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى فَرْدٍ، فَلَا تَنَاقُضَ فِي عِبَارَتِهِ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ، وَ (لَا) يَجِبُ بَيَانُ (قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ) فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ نَفِيسًا كَانَ أَوْ خَسِيسًا. وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: يَكُونُ إذْنًا فِي أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنْهُ. وَالثَّانِي: يَجِبُ بَيَانُ قَدْرِهِ كَمِائَةٍ أَوْ غَايَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ مِنْ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ لِظُهُورِ التَّفَاوُتِ.
المتن: وَيُشْتَرَطُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَفْظٌ يَقْتَضِي رِضَاهُ كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ فَوَّضْته إلَيْك أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ، فَلَوْ قَالَ بِعْ أَوْ أَعْتِقْ حَصَلَ الْإِذْنُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ، دُونَ صِيَغِ الْأَمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ) فِي الصِّيغَةِ (مِنْ الْمُوَكِّلِ لَفْظٌ) وَلَوْ كِنَايَةٌ (يَقْتَضِ رِضَاهُ) وَفِي مَعْنَاهَا مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ (كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ فَوَّضْته إلَيْك أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ) أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي، أَوْ أَنَبْتُك، كَمَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ (فَلَوْ قَالَ: بِعْ أَوْ أَعْتِقْ حَصَلَ الْإِذْنُ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِمَّا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يُسَمَّى إيجَابًا وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: حَصَلَ الْإِذْنُ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) مِنْ الْوَكِيلِ (لَفْظًا)؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إبَاحَةٌ وَرَفْعُ حَجْرٍ فَأَشْبَهَ إبَاحَةَ الطَّعَامِ، وَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِهَا، فَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْلِ عِلْمِهِ فَكَبَيْعِ مَالِ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِيهِ كَغَيْرِهِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ، دُونَ صِيَغِ الْأَمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ) إلْحَاقًا لِصِيَغِ الْعَقْدِ بِالْعُقُودِ وَالْأَمْرِ بِالْإِبَاحَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَوَّلِ الْقَبُولُ لَفْظًا فِيمَا لَوْ كَانَ لِإِنْسَانٍ عَيْنٌ مُعَارَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٌ أَوْ مَغْصُوبَةٌ فَوَهَبَهَا لِآخَرَ فَقَبِلَهَا، وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهَا، ثُمَّ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَكَّلَ فِي قَبْضِهَا الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ الْغَاصِبَ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُ لَفْظًا، وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِمَا سَبَقَ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الرِّضَا بِقَبْضِهِ عَنْ الْغَيْرِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَفْظًا عَنْ الْقَبُولِ مَعْنًى فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الرِّضَا فَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ، أَوْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ، أَوْ بِمَعْنَى عَدَمِ الرَّدِّ فَيُشْتَرَطُ جَزْمًا، فَلَوْ قَالَ: لَا أَقْبَلُ أَوْ لَا أَفْعَلُ بَطَلَتْ، فَإِنْ نَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ جُدِّدَتْ لَهُ، وَمَرَّ أَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ، وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ فِي الْوَكَالَةِ.
المتن: وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ) مِنْ صِفَةٍ أَوْ وَقْتٍ كَقَوْلِهِ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ وَكَّلْتُك بِكَذَا، أَوْ فَأَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَالْوَصِيَّةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْبَلُ الْجَهَالَةَ فَتَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَيَنْفُذُ أَيْضًا تَصَرُّفٌ صَادَفَ الْإِذْنَ حَيْثُ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ فَاسِدًا كَقَوْلِهِ: وَكَّلْت مَنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِي فَلَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
المتن: فَإِنْ نَجَّزَهَا، وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك وَمَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي صَحَّتْ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي عَوْدِهِ وَكِيلًا بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا، وَيَجْرِيَانِ فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ.
الشَّرْحُ: تَنْبِيهٌ هَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ (فَإِنْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ) كَوَكَّلْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي وَبِعْهُ بَعْدَ شَهْرٍ، فَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بَعْدَ الشَّهْرِ، وَيَصِحُّ تَأْقِيتُهَا كَوَكَّلْتُكَ شَهْرًا، فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ امْتَنَعَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ (وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك وَمَتَى) أَوْ إذَا أَوْ مَهْمَا (عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي) فِيهِ أَوْ قَدْ وَكَّلْتُك (صَحَّتْ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ. وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى شَرْطِ التَّأْبِيدِ وَهُوَ الْتِزَامُ الْعَقْدِ الْجَائِزِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ التَّأْبِيدِ بِمَا ذُكِرَ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (فِي عَوْدِهِ وَكِيلًا بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا)؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوَكَالَةَ ثَانِيًا عَلَى الْعَزْلِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فَسَادُ التَّعْلِيقِ. وَالثَّانِي: تَعُودُ الْوَكَالَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ لِلْإِذْنِ كَمَا مَرَّ، فَطَرِيقُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ أَنْ يُكَرِّرَ عَزْلَهُ فَيَقُولُ: عَزَلْتُك عَزَلْتُك، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِكُلَّمَا تَكَرَّرَ الْعَوْدُ بِتَكَرُّرِ الْعَزْلِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمَا مَرَّ، وَطَرِيقُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي عَزْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ عَزَلَ نَفْسَهُ إلَّا إنْ كَانَ قَدْ قَالَ: إنْ عَزَلْتُك أَوْ عَزَلَك أَحَدٌ عَنِّي فَلَا يَكْفِي التَّوْكِيلُ بِالْعَزْلِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا عُدْت وَكِيلِي، فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَيَمْتَنِع تَصَرُّفُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَهُوَ تَعْلِيقٌ قَبْلَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الَّتِي لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْت فُلَانَةَ فَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَهُوَ بَاطِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَزْلَ الْمُعَلَّقَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّصَرُّفُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ السَّابِقَةِ عَلَى لَفْظٍ، لَا فِيمَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ، إذْ لَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْعُقُودِ قَبْلَ عَقْدِهَا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ نَافِذًا مَعَ فَسَادِ الْوَكَالَةِ فَمَا فَائِدَةُ صِحَّتِهَا؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذَلِكَ اسْتِقْرَارُ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ بِخِلَافِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَيَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي النِّكَاحِ يُفْسِدُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى، وَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي النِّكَاحِ. (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ (فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ) كَقَوْلِهِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ. أَصَحُّهُمَا عَدَمُ صِحَّتِهِ أَخْذًا مِنْ تَصْحِيحِهِ فِي تَعْلِيقِهَا. لَكِنْ الْعَزْلُ أَوْلَى بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ مِنْ الْوَكَالَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولٌ قَطْعًا، وَعَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْمَنْعِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ. كَمَا أَنَّ التَّصَرُّفَ يَنْفُذُ فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّعْلِيقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ.
|